"أمي، اغفري لي، هذا هو الطريق الذي اخترته، أردت مساعدة الناس، اغفري لي، أعدك، لقد اخترت هذا الطريق فقط لمساعدة الناس"، كانت هذه الكلمات الأخيرة لرفعت رضوان، المسعف الفلسطيني الشاب في غزة، الذي تحدث بها بينما كان ينزف حتى الموت بجوار سيارة إسعاف واضحة المعالم، محاطاً بجنود إسرائيليين، تحت سماء رفح الباردة، خرج مع طاقمه لإنقاذ الجرحى، ولم يعد أي منهم.
أطلق الجيش الإسرائيلي النار دون سابق إنذار، مما أسفر عن مقتل رضوان و14 من عمال الطوارئ الآخرين، تم استخراج جثثهم لاحقاً من قبر ضحل، وبعضها كانت أيديهم أو أرجلهم مقيدة، مما يشير إلى أنهم أعدموا عن قرب، بينما كانوا لا يزالون يرتدون زيهم الرسمي، ممسكين بأجهزة الراديو والقفازات ومجموعات الإسعاف.
ورغم ذلك، كذبت إسرائيل، حيث صرح وزير خارجيتها للعالم بأن سيارات الإسعاف كانت غير مميزة و"مريبة"، مما يوحي بأن الهجوم الإسرائيلي كان مبرراً.
لكن لقطات من اللحظات الأخيرة لرضوان أظهرت أن سيارات الإسعاف كانت واضحة المعالم، مع أضواء تومض وسترات طبية مرئية، لم يكن هناك أي علامة على وجود تهديد، ولا تبادل لإطلاق النار، ولا أي غموض – فقط ما يبدو أنه مجزرة متعمدة.
بينما حاول العالم فهم الرعب في رفح، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقف في هنغاريا، محاطاً بأحد أكثر الحكومات الأوروبية يمينية، وأعلن، محاطاً بالقوميين المتطرفين: "هذا مهم لنا جميعاً، من أجل الحضارة، بينما نقاتل هذه المعركة ضد الهمجية.
أعتقد أننا نقاتل معركة مماثلة من أجل مستقبل حضارتنا المشتركة – حضارتنا اليهودية-المسيحية"، لا شيء يمكن أن يعكس الحقيقة بشكل أكثر فظاعة.
ما تقوم به إسرائيل في غزة ليس حرباً – بل هو محو للحياة نفسها، إنه تدمير منهجي لكل ما يتنفس أو يحلم.
منذ أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 1000 من العاملين في المجال الصحي والطبي، بما في ذلك العشرات من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تم قصف المسعفين وإطلاق النار عليهم أثناء قيامهم بأعمال إنقاذ الأرواح.
كما قُتل أكثر من 400 من عمال الإغاثة في غزة، بما في ذلك ما لا يقل عن 280 من موظفي الأونروا، تم تدمير المستشفيات وتمزق سيارات الإسعاف.
بينما كانت هناك فرق إنقاذ موجهة لإنقاذ الطفلة هند رجب، التي نجت من هجوم إسرائيلي قتل عائلتها بالكامل، كانت وحدها في سيارة، خائفة، تنادي طلباً للمساعدة، تم إرسال فريق إنقاذ لكنه لم يعد أبداً.
وجدت جثة هند في سيارة مليئة بالرصاص، بينما كانت جثث المسعفين الذين حاولوا إنقاذها ملقاة بالقرب منهم، وقد أعدموا أثناء محاولتهم إنقاذ طفلة، لا توجد خطوط حمراء – لا للأطباء ولا للأطفال، ولا حتى للمحتضرين.
يقول المسعفون الفلسطينيون إن زيهم لا يحميهم، بل يحددهم كأهداف، أحد الممرضين، أثناء إجراء عملية جراحية، رفض ترك مريض عندما اقتحم الجنود الإسرائيليون المستشفى.
أطلقوا النار عليه في ركبته، مما أدى إلى تحطيم العظم، وسحبوه لاحقاً، وفقاً لرواية طبيب آخر، تعرض للتعذيب، وأصبح أعمى، وتم إلقاؤه في النهاية على جانب الطريق في حالة خطيرة.
أدنان البرش، الجراح البارز في غزة، تم أخذه من مستشفى العودة واختفى في نظام السجون الإسرائيلي، حيث تعرض للضرب، والاغتصاب، وترك ليموت، نتنياهو لا يدمر فقط المنازل والمساجد والكنائس والمدارس، بل يدمر وسائل البقاء.
إذا لم تقتل القنابل، فإن العطش، والجوع، أو الجروح غير المعالجة ستفعل، وأولئك الذين يحاولون إنقاذ الآخرين.
إنهم مطاردون، في غزة، الطب هو تمرد، والرحمة خيانة.
