تدخل إسرائيل عامها السابع والسبعين، ويبدو أن خطتها النهائية تجاه الفلسطينيين تقترب أكثر من أي وقت مضى، حيث تسعى إسرائيل بشكل متسارع إلى إفراغ غزة والضفة الغربية من سكانها الأصليين، وهو ما يعد استمراراً لسياسة التهجير التي بدأت منذ تأسيسها، وقد أثار هذا المشهد المروع ذكريات مؤلمة للنكبة عام 1948، عندما نفذت إسرائيل أول عملية تطهير عرقي جماعي للفلسطينيين، ولم يتدخل أحد آنذاك، كما هو الحال اليوم، تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه العملية النهائية للتطهير العرقي للفلسطينيين، سواء من خلال القتل المباشر أو الطرد الجماعي، إلى نتائج كارثية، ولن تكون هذه النتائج نتيجة لقدرات إسرائيل العسكرية فقط، بل ستعكس أيضاً الدعم غير المشروط من القوى الغربية وتواطؤها الأخلاقي في هذه الجريمة.
يتساءل العديد من الفلسطينيين عن سبب هذه التساهل الغربي تجاه جرائم إسرائيل، حيث يعود هذا التساهل إلى عقود طويلة، بدءاً من وعد بلفور عام 1917، الذي أدخل الصهيونية إلى فلسطين، وأسس لسياسة مركزية صهيونية تهيمن على الغرب منذ ذلك الحين، في ذلك الوقت، كان الفلسطينيون يعيشون بسلام في ظل الإمبراطورية العثمانية، ولم يكن لديهم أي معرفة بمشكلات أوروبا المتعلقة باليهود.
كان جدي، الذي وُلد عام 1850، مزارعاً في مدينة طولكرم، وكان يعرف اليهود الذين عاشوا معه بسلام، وكان يطلق عليهم "اليهود العرب"، حيث كانوا يشكلون 3% فقط من سكان فلسطين، كيف كان بإمكانه فهم تعقيدات معاداة السامية الأوروبية، وكيف أدت إلى إنشاء إسرائيل في وطنه.
عندما توفي جدي عام 1935، كانت فلسطين تحت حكم الاستعمار البريطاني، وكانت الصهيونية قد بدأت تأخذ مكانها، ولا يزال الكثير من الفلسطينيين حتى اليوم يفتقرون إلى الفهم الكافي لتاريخ اليهود الأوروبيين، والمحرقة النازية، والشعور بالذنب الذي نتج عنها في الغرب، نشأت في بيئة أدركت فيها أن الفلسطينيين كانوا في نظر الغرب غير مهمين في المشروع الأكبر لإنشاء إسرائيل، وقد أظهر الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 مدى ضآلة قيمتنا، مقارنةً بأهمية إسرائيل لداعميها الغربيين.
بعد هذا الهجوم، تحركت الولايات المتحدة وحلفاؤها بسرعة لتعبئة قواهم العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية للدفاع عن إسرائيل، وكأنهم تعرضوا للهجوم بأنفسهم، تواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل، مما يمكنها من تدمير غزة والضفة الغربية، كما أن الدعم الدبلوماسي الأمريكي في الأمم المتحدة قد حمى إسرائيل من أي إدانة، في حين تم التعامل مع المنظمات الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية باحتقار.
إن الوضع الحالي يعكس استمرار التواطؤ الغربي في دعم إسرائيل، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الفلسطينيين، في ظل غياب أي تدخل دولي حقيقي لوقف هذه الانتهاكات، ويبدو أن العالم يراقب بصمت بينما تواصل إسرائيل تنفيذ خططها.
