عندما أدى كميل إدريس اليمين كأول رئيس وزراء دائم للسودان منذ استقالة عبد الله حمدوك في يناير 2022، أثار تعيينه من قبل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ردود فعل متباينة، حيث اعتبره البعض نقطة تحول محتملة في الانتقال الديمقراطي للسودان، مشيرين إلى استقلاليته السياسية وخبرته التقنية، بالإضافة إلى علاقاته مع المنظمات الدولية، بينما تساءل المشككون عن شرعية قائد غير منتخب، معتبرين أن تعيينه قد يقيد استقلاليته، تتزايد المخاوف من استمرار النفوذ العسكري في السياسة السودانية، حيث يرى النقاد أن إدريس قد يعمل كوكيل مدني، مما يحد من سلطته، وهذا يعكس القلق الأوسع حول الدور العميق للقوات المسلحة السودانية في الحياة السياسية، وهو دور يتعارض مع مبدأ حياد الجيش في الحكم.
يلاحظ المراقبون أن هذا النفوذ قد زاد خلال النزاع المستمر في السودان، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الانتقال الحالي سيؤدي إلى حكومة مدنية شاملة، أو ما إذا كانت الهياكل المدعومة من الجيش ستستمر في تشكيل السلطة من وراء الكواليس، يواجه إدريس تحديات متعددة، أبرزها الحرب المستمرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي اندلعت منذ أبريل 2023، مما أدى إلى زعزعة استقرار الاقتصاد السوداني والتماسك الاجتماعي.
كان تشكيل حكومة جديدة هو أول عقبة أمامه، حيث كشف إدريس الشهر الماضي عن خطط لتشكيل "حكومة أمل" غير حزبية، وهو ما أثار انتقادات سريعة من الفصائل السياسية الرئيسية، التي اتهمته بتهميش التحالفات المدنية الكبرى التي كانت لها دور بارز في مقاومة الحكم العسكري، على الرغم من تعهد إدريس بعقد حوار شامل مع الأطراف السياسية والاجتماعية في السودان، إلا أن هذه المبادرة تواجه تحديات كبيرة، حيث تعارض بعض الأطراف شرعية تعيينه وتعتبر حكومته غير ممثلة لمصالحهم.
ومن بين هذه الأطراف، حزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وتحالف "سمود" المدني الديمقراطي، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تشير التطورات إلى أن التحالفات السياسية قد تفتتت، حيث انقسمت قوى الحرية والتغيير إلى حركتين، انضم بعض أعضائها إلى "سمود" تحت قيادة حمدوك، بينما انضم الآخرون إلى التحالف المؤسس، الذي يروج له قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
من خلال تشكيل تحالف مع الأخير، رفض هؤلاء الفاعلون السياسيون المدنيون سلطة الحكومة التي يقودها إدريس، بينما اختار "سمود" الانخراط مباشرة مع الفصائل المتحاربة، متجاوزاً الحكومة الموجودة في بورتسودان، تتزايد التوترات منذ أن حل إدريس الحكومة السابقة في أوائل يونيو، حيث احتج الموقعون على اتفاق جوبا للسلام على هذه الخطوة، معتبرين أنها تمثل تآكلاً لمكاسبهم المتفاوض عليها.
إن الوضع السياسي في السودان يظل معقداً، حيث تتداخل المصالح العسكرية والمدنية، مما يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار والانتقال الديمقراطي.
