في الأسابيع الأخيرة، شهد الخطاب السياسي الأوروبي حول غزة، وبشكل عام، حول حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بعض الإشراقات وسط الوضع المظلم، حيث أعلنت فرنسا، تلتها المملكة المتحدة وكندا، عن نواياها للاعتراف رسميًا بدولة فلسطين الشهر المقبل، وهذا يأتي بعد قرن من القرارات المأساوية التي اتخذتها هاتان الدولتان، والتي ساهمت في الفوضى التي عانت منها منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، تاريخيًا، تتحمل فرنسا وبريطانيا مسؤولية كبيرة عن الأزمات التي شهدتها المنطقة، بدءًا من اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، إلى وعد بلفور عام 1917، ثم معاهدة فرساي عام 1919 وما تبعها من تداعيات.
لو كانت الحقوق القانونية لها قيمة حقيقية، لكان من الممكن أن تواجه هاتان القوتان الاستعماريتان دعوى جماعية تستحق المليارات عن الأضرار الهائلة التي تسببت بها في الشرق الأوسط، ولكن التاريخ غالبًا ما يثبت أن الأكثر ذنبًا ينجو من العقاب الذي يستحقه، إذا ما نفذت فرنسا وبريطانيا وعدهما بالاعتراف بفلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل، سيكون من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة المتأخرة ستؤثر على مواقعهما السياسية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تعاني شعبيته من انخفاض حاد، قد يأمل في تعزيز شعبيته بين الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد، بينما يواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تراجعًا حادًا في دعم حزب العمال، حيث أبدى حوالي 18% من البريطانيين استعدادهم للتصويت لصالح حزب جديد يقوده الزعيم السابق جيريمي كوربين، بدلاً من تبرير قراره المتأخر كعمل عدالة متأخر قرنًا، قدم ستارمر هذا القرار كوسيلة للضغط إذا فشلت إسرائيل في إنهاء الفظائع التي ترتكبها في غزة، حيث يتفق الخبراء القانونيون على أن ما يحدث يعد إبادة جماعية.
إذا كانت نيته غير الموفقة هي إرضاء الجميع، فقد يجد ستارمر أن ذلك قد يؤدي إلى عكس ما يهدف إليه، حيث لن تسامحه الجماعات المؤيدة لإسرائيل، بينما ستعتبر الحركة المتزايدة المؤيدة لفلسطين ذلك مجرد لفتة غير مدروسة، ردت إسرائيل والولايات المتحدة بغضب على هذه التطورات، مشيرة بشكل خاطئ إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين سيعني "مكافأة على الإرهاب"، بينما سيؤدي إلى تأخير "عملية السلام".
ومع ذلك، وبعد ثلاثة عقود من اتفاقيات أوسلو، التي صممت ظاهريًا لتحقيق هذا الهدف، يبدو أن هذا الهدف أبعد من أي وقت مضى، حيث تواصل إسرائيل ضم المزيد من الأراضي التي كان من المفترض أن تشكل دولة فلسطينية، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، صرح مؤخرًا لهيئة الإذاعة البريطانية بأن "هذا لن يحدث، لن تكون هناك دولة للاعتراف بها".
في الواقع، لا تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية عملاً متأخرًا من العدالة، بل هو مجرد ورقة مساومة، ويجب أن تكون لإسرائيل الكلمة الأخيرة دائمًا، لن يُسمح بإنشاء دولة فلسطينية إلا عندما تكون إسرائيل راضية عن الشروط المرتبطة بذلك، وهو ما يعني، في المناخ السياسي الحالي، أنه قد لا يحدث أبدًا.
حتى قبل بضعة أشهر، كانت هذه المنطق المعوجة تتبناها القوى الأوروبية الكبرى، ولكن مع انتشار صور الأطفال الجائعين في غزة، بدأ البعض في تغيير نهجهم أخيرًا.
