تركيا تواجه تحديات جديدة من إسرائيل في سوريا

تركيا تواجه تحديات جديدة من إسرائيل في سوريا

تسعى تركيا إلى إدارة المزايا الاستراتيجية التي حصلت عليها بعد سقوط نظام الأسد من خلال سياسة خارجية حذرة، وقد وُصفت هذه السياسة بأنها نوع من التهدئة الدبلوماسية، مما أدى إلى تقليل النشاط العسكري على الأرض وتجنب الظهور المفرط في عمليات الانتقال السياسي، وقد شكلت أنقرة سياستها الجديدة تجاه سوريا وفقًا لمبدأ "الملكية الإقليمية"، حيث لم تتعجل في اتخاذ إجراءات بشأن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، بل دعمت جهود المنظمة للتوصل إلى أرضية مشتركة مع دمشق، احتضنت تركيا هذه العملية للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وكاستراتيجية توازن لمنع سعي YPG للحصول على شرعية دولية، وخلال هذه الفترة، تمكنت YPG من كسب الوقت من خلال توقيع اتفاق مع دمشق، مما أتاح لها الهروب من الضغط العسكري من كل من أنقرة وإدارة الرئيس السوري أحمد الشعار.

اعتمدت أنقرة سياسة تهدئة مماثلة تجاه الموقف العدواني لإسرائيل في سوريا، حيث واجهت محاولات إسرائيل لإضعاف الإدارة الجديدة في دمشق وتوسيع نفوذها داخل سوريا، فعززت تركيا المفاوضات الدبلوماسية وآليات الاستخبارات، واختارت إجراء محادثات فنية لتجنب الصراع العسكري المباشر، وخلال هذه الفترة، دمرت إسرائيل القدرة العسكرية للنظام السوري الجديد، ووسعت سيطرتها الإقليمية على هضبة الجولان، ونفذت غارة جوية رمزية على دمشق "لحماية" الدروز في الجنوب، ومع ذلك، يبدو أن استراتيجية التهدئة تجاه كل من إسرائيل وYPG لم تحقق النتائج المرجوة، حيث تسعى إسرائيل إلى إنشاء منطقة نفوذ مباشرة في جنوب سوريا، بهدف استبعاد تركيا من المنطقة وإضعاف الحكومة في دمشق، مما يؤدي إلى خلق سوريا غير مستقرة وضعيفة، كما أن التطورات المرتبطة بسويداء والسياسات المتبعة على طول خطوط الصدع الطائفية تستهدف أيضًا الهيكل الأمني الذي تسعى تركيا إلى إقامته داخل سوريا.

أصبحت سوريا جبهة جديدة للتنافس الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل، وفي هذه المرحلة، يبدو أنه من الصعب على أنقرة تغيير مجرى الأمور دون اتخاذ موقف رادع أكثر وضوحًا ضد التدخل الإقليمي الإسرائيلي، حيث تسعى إسرائيل إلى إقامة هيمنة مطلقة في الأجواء السورية، وتحاول تشكيل الميدان من خلال غارات جوية منتظمة وعمليات استخباراتية في سوريا، بينما تدرك تركيا أن الطريقة الوحيدة لموازنة هذه التدخلات غير المتكافئة هي تعزيز القدرة العسكرية للإدارة في دمشق، أعلنت تل أبيب أن توطيد تركيا للتعاون العسكري مع دمشق، وتوقيع اتفاقيات القواعد، هو "خط أحمر"، بينما تعتمد YPG على إمكانية أن تستهدف إسرائيل دمشق إذا أطلقت إدارة الشعار أو تركيا عملية عسكرية ضدها، ومع ذلك، يبدو أن هذا الخط الأحمر هو في الأساس خدعة استراتيجية أكثر من كونه رادعًا حقيقيًا، لأن استهداف إسرائيل لعناصر تركيا العسكرية في سوريا يعني دعوة أنقرة إلى صراع عسكري مباشر، ولا يمكن لتل أبيب أو واشنطن المخاطرة بمثل هذا السيناريو إذا تصرفت تركيا بحزم.

لا تقتصر سياسة إسرائيل في سوريا على إنشاء منطقة نفوذ جديدة من خلال استغلال الأقلية الدرزية كفاعل بالوكالة لتشكيل الديناميات في جنوب سوريا، بل إن قضية YPG أيضًا جزء حاسم من هذه المعادلة، حيث تسعى إسرائيل إلى تضييق مساحة المناورة لتركيا على الأرض من خلال YPG، وتُمارس هذه الاستراتيجية ليس فقط على الأرض، بل أيضًا في الساحة الدبلوماسية، حيث تسعى تل أبيب لدفع YPG إلى ما وراء الخطوط الحمراء لتركيا من خلال تقديم ضمانات أمنية غير مباشرة للمجموعة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *